بقلم: نصار إبراهيم
صمت ميدان الحرب الطاحنة في غزة وعليها مؤقتا...ولكن هناك شعب وهناك مقاومون ملتصقون بالأرض وعيونهم لا تفارق الهدف... والهدف هو حفظ دماء وحقوق غزة وناسها كجزء من حقوق فلسطين وشعبها.
لقد أدار المقاومون الرائعون وعلى مدار 29 يوما هزت العالم القتال بصبر وذكاء وجرأة ومرونة فكانت أعصابهم من فولاذ... فلم يقعوا في النزق ورد الفعل...ومن حولهم ومعهم شعب شد على الأسنان وعض على الجراح وصبر وصابر ونزف واستشهد ولكنه لم يتزحزح ملمترا واحدا...
وحرب غزة ليست معزولة عن محيطها ، ولكن من يدرك أبعاد ما يجري في المنطقة منذ بداية ما يسمى بالربيع العربي، يعرف جيدا أن حلقات المواجهة مترابطة ومتداخلة بصورة مذهلة، فما يجري في غزة ليس معزولا عن المواجهات الدائرة في سورية ولبنان ومصر والعراق، وليبيا وتونس واليمن... حيث تتشكل الجبهات وتصطدم الاستراتيجيات، في محاولة لفك وإعادة تركيب شاملة.
لهذا فإن المواجهة الدائرة في غزة مع الاحتلال الإسرائيلي بكل أهوالها وتضحياتها وأثمانها هي جزء من رقعة الصراع الشامل، ففي مواجهة طاحنة بهذا المستوى قد يكون ما يجري "تحت الآرض" أكبر وأخطر وأعقد بكثير مما يعتقد البعض، أو مما هو ظاهر على السطح... وفقط أسوق تنويهات سريعة للفت الانتباه:
- الاشتباك بين السعودية من جانب وتركيا وقطر من جانب آخر.
- التنافس بين مصر وتركيا.
- الصراع بين محورالمقاومة الإقليمي (إيران- سورية- حزب الله- والعراق جزئيا – والعديد من فصائل المقاومة الفلسطينية) والمحور الأمريكي الإسرائيلي الرجعي العربي وما يتبعه من من قوى إقليمية وتنظيمات إرهابية متطرفة ( داعش والنصرة...و...و)
- الصمت والهدوء وعدم توفر المعلومات لا يعني بأن جبهات المواجهة غافية ولاهية عما يحصل في غزة... ففي لحظة قد يشتعل كل شئ، وإسرائيل تدرك ذلك جيدا.
- لقد بات واضحا أن القدرات الصاروخية لفصائل المقاومة كما ونوعا، وأيضا إعداد المقاتلين وبهذا المستوى الاحترافي في المواجهة البرية ليس بنت لحظته، بل يعني أن هناك من كان يفكر ويربط ويخطط ويعيد ويوصل الحلقات وبهدوء حتى في ظل أشد المراحل تناقضا بين حماس وبين أطراف محور المقاومة الأخرى، وهذا يعني أن هناك من يدير السياسة بعيدا عن منطق الانتقام والثارات.
النتيجة أن التهدئة المقترحة مصريا، هي عنوان يخفي وراءه صراع واشتباك الأدوار والسياسات والأستراتيجيات، ولهذا فإن ردود فعل فصائل المقاومة في غزة ليست عفوية بل هي جزء من حسابات أكبر في معادلات السياسة وموازين القوى...وبكلمة إن محور المقاومة الذي يتقدم إستراتيجيا في المنطقة من غير المفهوم أو المنطقي أن يسمح بتبديد االمنجز الفلسطيني في حرب غزة.. نعم الأثمان مؤلمة ولكن تبقى الأهداف السياسية هي التي تحكم وتتحكم.
خلاصة القول: المواجهة السياسية أشد ضراوة وتعقيدا وربما خطورة، وهي امتداد للحرب بوسائل أخرى... وعليه فإن على الساسة أن يفهموا أن كل كلمة يقولونها أو موقف يوافقون عليه ثمنه دماء غالية... فالمسألة ليست شطارات لغوية وابتسامات...المسألة مواجهة وصمود وتضحيات وموازين قوى، وقوة ردع، أي على المفاوض الفلسطيني أن يدرك أنه ليس ضعيفا بل يستند لشعب ومقاومة لا تزال أيديهم تقبض على البندقية وتعض على الجراح.... كل هذا وسواه يجب أن يبقى ماثلا في العقل وفي الوعي... فمن غير المسموح منح الاحتلال بالسياسة أو بالمساومة أو تحت ضغوط المحاور وصراعها ما فشل من أخذه في ميدان المعركة.
إذن المفاوض الفلسطيني في دائرة الضوء والمتابعة والتقييم ولذا فهو ليس مطلق اليدين، وليس أمامه سوى أن يرتقي إلى مستوى المقاوم الفلسطيني ذكاء وصبرا وعنادا ومهارة ومرونة ووضوحا... والتصدي لمختلف المناورات والمصائد والضغوط مهما كانت ومهما اشتدت.
Write a comment